Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

www.2dabniraby.com

أهلاَ وسهلاَ بكم في موقع أدبني ربي نتمنى لكم وقت ممتع ومفيد

 

                                      

 

 

 

  الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الأول-

  • باب الغسل

بابُ الغُسْلِ 

وموجِبُهُ خروجُ المنيِّ دفقاً بِلذَّةٍ............

 أي: باب ما يوجبه، وصِفَتُهُ، فالباب جَامِعٌ للأمرين.

قوله: «ومُوجِبُهُ» ، بالكَسْرِ، أي: الشيء الذي يوجب الغُسْل، يقال: موجب بِكَسْرِ الجيم وفَتْحِهَا.

فبالكسر: هو الذي يُوجبُ غيره.

وبالفتح: هو الذي وَجَبَ بغيره، كما يقال: مُقْتَضي بكسر الضَّادِ: الذي يقتضي غيره، ومقتضَى بفتحها: الذي اقتضاه غيرُه.

قوله: «خروج المنيِّ دفقاً بلذَّةٍ» ، هذا هو الموجِبُ الأوَّل[(608)].

والدَّليل على ذلك:

1- قوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}} [المائدة: 6] ، والجُنُبُ: هو الذي خرج منه المنيُّ دَفقاً بلذَّةٍ.

2- قَولُه صلّى الله عليه وسلّم: «الماءُ من الماءِ»[(609)]، المراد بالماء الأوَّل ماء الغُسلِ؛ عبَّر به عنه، وبالماء الثَّاني المنيّ، أي: إِذا خرجَ المنيُّ وجبَ الغُسْلُ.

وظاهر الحديثِ أنَّه يجب الغُسل سَوَاء خرجَ دَفْقاً بلذَّةٍ، أم لا، وهذا مذهب الشَّافعي رحمه الله: أنَّ خروج المنيِّ مُطلقاً مُوجِبٌ للغُسْلِ حتى ولو بدونِ شَهْوَةٍ وبأيِّ سَبَبٍ خرج[(610)]، لعُمُومِ الحديث، وجمهور أهل العلم: يشترطون لوُجُوبِ الغُسل بخروجه أن يكون دفقاً بلذَّة[(611)].

وقال بعضُ العلماء: بلذَّةٍ. وحَذَفَ «دفقاً»، وقال: إِنَّه متى كان بلذَّة فلا بُدَّ أنْ يكونَ دفقاً[(612)].

وذِكْرُ الدَّفقِ أَوْلى لموافقةِ قوله تعالى: {{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *}{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *}} [الطارق] .

فإِذا خرجَ مِنْ غيرِ لذَّةٍ مِنْ يقظانَ فإِنَّه لا يُوجِبُ الغُسْلَ على ما قاله المؤلِّفُ، وهو الصَّحيح.

فإنْ قيل: ما الجواب عن حديثِ: «الماءُ من الماءِ».

قلنا: إن يُحملُ على المعهودِ المعروف الذي يَخْرُجُ بلذَّة، ويوجِبُ تحلُّلَ البَدَنِ وفُتُورَه، أما الذي بدونِ ذلك، فإِنه لا يوجبُ تحلُّلَهُ ولا فُتورَه، ولهذا ذكروا لهذا الماء ثلاث علامات[(613)]:

الأولى: أنْ يَخْرُجَ دفقاً.

الثانية: الرَّائحة، فإِذا كان يابساً فإِنَّ رائحتَه تكون كرائِحَة البَيْضِ، وإِذا كان غيرَ يابِسٍ فرائحته تكونُ كرائحة العَجِينِ واللِّقاح[(614)].

الثالثة: فُتُورُ البَدَنِ بَعْدَ خُروجِه.

 

لا بِدُونِهما مِنْ غيرِ نائِمٍ ...........

قوله: «لا بدونهما» ، الضَّميرُ يعودُ على الدَّفْقِ، واللَّذَّةِ.

قوله: «من غير نائم» ، أي: من اليَقْظَان، فإذا خَرَجَ مِنَ اليقظان بلا لذَّةٍ، ولا دَفْقٍ، فإِنه لا غُسْلَ عليه.

وعُلم منه: أنَّه إِنْ خرجَ مِنْ نائم وَجَبَ الغُسْلُ مطلقاً، سواء كان على هذا الوصف أم لمْ يكن، لأنَّ النَّائِم قد لا يُحِسُّ به، وهذا يَقَعُ كثيراً أنَّ الإِنسان إِذا استيقظ وجدَ الأثرَ، ولم يشعرْ باحتلامٍ، والدَّليل على ذلك أنَّ أمَّ سُليم رضي الله عنها سألت النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عن المرْأَةِ ترى في منامِها ما يرى الرَّجُلُ في منامه، هل عليها غُسْل؟ قال: «نعم، إِذا هي رَأتِ الماء»[(615)]. فأوجبَ الغُسْل إِذا هي رأت الماء، ولم يشترطْ أكثر من ذلك، فدلَّ على وُجُوبِ الغُسْل على مَنْ استيقظ وَوَجَدَ الماءَ سواء أحسَّ بخُروجِهِ أم لَمْ يُحِسَّ، وسواء رأى أنَّه احتلمَ أم لم يَرَ، لأنَّ النَّائمَ قد ينسى، والمرادُ بالماء هنا المنيُّ.

فإِذا استيقظَ ووجد بَللاً فلا يخلو من ثلاث حالات:

الأولى: أن يتيقَّنَ أنَّه مُوجِبٌ للغُسْل، يعني: أنَّه مَنِيٌّ، وفي هذه الحال يجبُ عليه أنْ يغتسلَ سواء ذَكَرَ احتلاماً أم لم يذكر.

الثانية: أنْ يتيقَّنَ أنَّه ليسَ بِمِنِيٍّ، وفي هذه الحال لا يجب الغُسْل، لكنْ يجب عليه أنْ يَغْسِلَ ما أصابه، لأن حُكْمَهُ حُكمُ البولِ.

الثالثة: أنْ يجهلَ هل هو مَنيٌّ أم لا؟ فإِن وُجِدَ ما يُحَالُ عليه الحُكْم بِكَوْنِهِ منيًّا، أو مذياً أُحِيلَ الحكم عليه، وإِنْ لم يوجد فالأصل الطَّهارة، وعدم وجوب الغُسْل، وكيفيَّة إِحالةِ الحُكْمِ أَنْ يُقال: إِنْ ذَكَرَ أنَّه احتلم فإِننا نجعله منيًّا، لأنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم لما سُئِل عن المرأة تَرى في مَنَامِها ما يَرى الرَّجُلُ في مَنَامِهِ؛ هل عليها غسل؟ قال: «نعم، إِذا هي رأت الماءَ»[(616)]، وإِنْ لم يَرَ شيئاً في منامه، وقد سبقَ نومَهُ تفكيرٌ في الجِمَاعِ جعلناه مَذياً، لأنَّه يخرج بعد التَّفكيرِ في الجِمَاعِ دونَ إِحساس، وإِنْ لَمْ يَسْبِقْه تفكير ففيه قَوْلان للعلماء:

قيل: يجبُ أن يغتسلَ احتياطاً[(617)].

وقيل: لا يجب (617) ، وقد تعارضَ هُنا أصْلان.

 

وإِن انْتَقَل، ولَمْ يخرج، اغْتَسل لَه ،.........

قوله: «وإن انتقل ولَمْ يخرج، اغْتَسل لَه» ، أي: المنيُّ، يعني: أَحَسَّ بانتقاله لكنه لَمْ يَخْرُجْ، فإِنَّه يغتسل، لأن الماء بَاعَدَ محلَّهُ، فَصَدَقَ عليه أنه جُنُبٌ، لأن أصل الجَنَابَةِ من البُعْدِ.

وهل يُمكن أنْ يَنتقلَ بلا خُرُوج؟

نعم يمكن؛ وذلك بأن تَفْتُرَ شهوتُه بَعْدَ انتقاله بسببٍ من الأسباب فلا يخرج المنيُّ.

ومثَّلوا بمثالٍ آخر: بأنْ يمسكَ بذَكَرِهِ حتى لا يَخْرج المنيُّ، وهذا وإن مَثَّلَ به الفقهاء فإِنه مُضِرٌّ جدًّا، والفقهاء ـ رحمهم الله ـ يمثِّلون بالشَّيء للتَّصويرِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عنْ ضَررِهِ أو عدم ضرره، على أنَّ الغالبَ في مِثْلِ هذا أنْ يخرج المنيُّ بَعْدَ إِطلاق ذَكَرِهِ.

وقال بعض العلماء: لا غُسْلَ بالانتقال[(618)]، وهذا اختيار شيخِ الإسلام[(619)] وهو الصَّواب، والدَّليل على ذلك ما يلي:

1- حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ وفيه: «نعم، إِذا هي رأت الماءَ»[(620)]، ولم يقلْ: أو أَحَسَّتْ بانتقالِه، وَلَوْ وَجَبَ الغُسْلُ بالانتقالِ لَبَيَّنَهُ صلّى الله عليه وسلّم لدُعَاءِ الحاجَةِ لِبَيَانِهِ.

2- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ: «إنما الماءُ من الماءِ»[(621)]، وهُنا لا يوجَدُ ماءٌ، والحديث يَدُلُّ على أنَّه إِذا لم يَكُنْ ماءٌ فلا ماءَ.

3- أن الأصل بقاءُ الطَّهارة، وعَدَمُ مُوجب الغَسْل، ولا يُعْدَل عنْ هذا الأصْل إِلا بدليل.

 

فإِن خَرَجَ بَعْده لم يُعِدْه،........

قوله: «فإِن خَرَجَ بَعْدَه لم يُعِدْه» ، أي: إِذا اغْتَسَلَ لهذا الذي انتقل ثُمَّ خرجَ مع الحركةِ، فإِنَّه لا يُعِيدُ الغُسْلَ، والدَّليل:

1- أنَّ السَّببَ واحدٌ، فلا يوجِبُ غُسْلَين.

2- أنَّه إِذا خَرجَ بعد ذلك خَرَجَ بلا لذَّةٍ، ولا يَجِبُ الغُسْل إِلا إِذا خرج بلذَّةٍ.

لكنْ لَوْ خَرَجَ منيٌّ جديدٌ لشهوةٍ طارِئة فإِنَّه يَجِبُ عليه الغُسْل بهذا السَّبب الثَّاني.

 

وتَغْييبُ حَشَفَةٍ أصليَّةٍ في فَرْجٍ أصليٍّ،.........

قوله: «وتَغْييبُ حَشَفَةٍ أصليَّة» ، هذا الموجِبُ الثَّاني من مُوجِبَات الغُسل.

وتَغْييبُ الشَّيءِ في الشَّيءِ معناه: أنْ يختفيَ فيه.

وقوله: «أصليَّة» يُحْتَرز بذلك عن حَشَفَةِ الخُنْثَى المُشْكِل، فإِنها لا تُعتبر حَشَفَةً أصليَّة. فلو غَيَّبَهَا في فَرْجٍ أصليٍّ أو غير أصليٍّ فلا غُسْلَ عليهما.

والخُنْثى المُشْكِل: مَنْ لا يُعْلَمُ أذَكَرٌ هو أم أُنثى، مثل: أنْ يكونَ له آلة ذَكَرٍ وآلة أنثى، ويبول منهما جميعاً، فإِنه مُشْكِل، وقد يتَّضِح بعدَ البلوغِ، وما دام على إِشكاله فإِنَّ فَرْجَه ليس أصليًّا.

قوله: «في فَرْجٍ أصليٍّ» ، احترازاً منْ فرجِ الخُنثى المُشْكِل، فإِنه لا يُعْتبرُ تَغْييبُ الحَشَفَةِ فيه موجباً للغُسْل، لأنَّ ذلك ليس بفَرْجٍ.

فإِذا غَيَّبَ الإِنسانُ حَشفَتَهُ في فَرْجٍ أصليٍّ، وجبَ عليه الغُسْلُ أنزلَ أم لم يُنْزِلْ.

والدَّليل على ذلك: حديث أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأربَع، ثم جَهَدَهَا، فقدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، أخرجه الشَّيخان[(622)].

وفي لفظٍ لمسلم: «وإِنْ لمْ يُنْزِلْ»[(623)]، وهذا صريحٌ في وُجوبِ الغُسْلِ وإِنْ لم يُنْزِل، وهذا يَخْفَى على كثير منَ النَّاس، فتجد الزَّوجين يحصُلُ منْهما هذا الشَّيء، ولا يغتسلان، ولا سيَّما إِذا كانا صغيرَين ولم يتعلَّما، وهذا بناءً على ظنِّهم عدم وجوب الغُسْل إِلا بالإِنزال، وهذا خطأ.

 

قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً، وَلَو من بَهِيمَةٍ، أو مَيْتٍ،...........

قوله: «قُبُلاً كان أو دُبُراً» ، وَطْءُ الدُّبُرِ حرام للزَّوج، وغيره من باب أَوْلَى، وهذا من باب التَّمثيل فقط، وقد سبَق أنَّ الفقهاء ـ رحمهم الله ـ يمثِّلون بالشَّيء بِقَطْع النَّظر عن حِلِّهِ، أو حُرْمَتِهِ[(624)]، ويُعرف حُكْمه من محلٍّ آخر.

قوله: «ولو من بَهِيمَةٍ أو مَيْتٍ» ، لو: إِشارة خِلاف، فَمِنْ أهل العلم من قال: يُشترط لِوُجُوبِ الغُسْلِ بالجِمَاعَ أنْ يكون في فَرْجٍ من آدميٍّ حيٍّ[(625)]. وعلى هذا الرَّأي لو أولجَ بفَرجِ امرأة ميْتة ـ مع أنَّه يَحْرُم ـ فعليه الغُسْل، ولو أَوْلَجَ في بهيمة فعليه الغُسْل.

وقال بعض العلماء: إِنه لا يجب الغُسل بِوَطْءِ الميْتَةِ إِلا إِذَا أَنْزَلَ (625) . والدَّليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِذا جلس بين شُعَبِها الأربع ثم جَهَدَهَا»، وهذا لا يحصلُ إِذا كانت ميتة، لأنه لا يُجْهِدها.

وأيضاً: تلذُّذه بها غير تلذُّذه بالحيَّة.

أما البَهِيمَة فالأمر فيها أبعدُ وأبعدُ، لأنَّها ليست محلًّا لجِمَاع الآدميِّ بمقتضَى الفطرة، ولا يَحلُّ جِمَاعها بحال.

وهل يُشْتَرط عدم وجود الحائل؟

قال بعض العلماء: يُشْتَرَط أن يكون ذلك بلا حائل[(626)]، لأنَّه مع الحائل لا يَصْدُق عليه أنه مَسَّ الختانُ الختانَ، فلا يجب الغُسْلُ.

وقال آخرون: يجب الغُسْلُ (626) لعُموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ثم جَهَدَهَا»، والجَهْدُ يحصُل ولو مع الحائل.

وفَصَّل آخرون فقالوا: إنْ كان الحائلُ رقيقاً بحيث تَكْمُل به اللَّذَّةُ وجب الغُسْلُ، وإن لم يكن رقيقاً فإِنه لا يجب الغُسْل (626) ، وهذا أقرب، والأَولَى والأحوط أن يغتسل.

 

وإِسْلامُ كافرٍ،.........

قوله: «وإسلامُ كافرٍ» ، هذا هو الموجِبُ الثَّالث من موجِبَات الغُسْل، وهو إِسلام الكافر، وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا.

فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْرِ دِينِ الإِسلام كاليهوديِّ والنَّصْرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك.

والمرتدُّ: من كان على دين الإِسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ لله شريكاً، أو دعا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُغِيثَه من الشِّدَّة، أو دعا غيره أن يُغِيثه في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ.

والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك:

1- حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يغتسل بماءٍ وسِدْر[(627)]، والأَصْلُ في الأمر الوُجوب.

2- أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمَةِ أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْلِ.

وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك[(628)]، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِلْ، كما قال: «من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل»[(629)]، وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولم يُنْقَل أنه صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالغُسْلِ أو قال: من أسلم فليغتسل، ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة النَّاس إليه.

وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أَمْرَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم واحداً مِنَ الأمَّة بحُكْمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمْرٌ للأمة جميعاً، إذ لا معنى لتخصيصه به. وأمْرُه صلّى الله عليه وسلّم لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به.

وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إِسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلاً للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يلزم أن يُنْقلَ العمل به من كلِّ واحد.

وقال بعض العلماء: إِنْ أتَى في كفره بما يوجب الغُسْل كالجَنَابَةِ مثلاً وجب عليه الغُسْلُ سواء اغتسل منها أم لا، وإِنْ لم يأت بموجب لم يجب عليه الغُسْلُ[(630)].

وقال آخرون: إِنه لا يجب عليه الغُسْلُ مطلقاً، وإِن وجد عليه جنابة حال كُفْرِه ولم يغتسل منها (630) ، لأنه غير مأمور بشرائع الإِسلام. والأَحْوَط أن يغتسل؛ لأنه إِن اغتسل وصلَّى فَصَلاتُه صحيحة على جميع الأقوال، ولو صلَّى ولم يغتسل ففي صِحَّة صَلاته خلاف بين أهل العلم.

 

ومَوْتٌ،...........

قوله: «وموت» ، هذا هو الموجِب الرابع من موجبَات الغُسْل.

أي: إِذا مات المسلم وجب على المسلمين غَسْلُه، والدَّليل على ذلك:

1- قوله صلّى الله عليه وسلّم فِيمَنْ وَقَصَتْهُ ناقتُه بعرفة: «اغسلوه بماءٍ وسِدْرٍ...»[(631)]، والأصل في الأَمْرِ الوُجُوب.

2- حديث أم عطيَّة حين ماتت ابنته وفيه: «اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك»[(632)].

وهذا الحديث قد يُنازَع فيه بأن يُقال: إِنَّ المقصود مِنْ تغسيلِ الميْتِ فيه التنظيف، لأنَّ التَّعبُّد بالطَّهارة حدّه ثلاث، ولا يُوْكَلُ إلى رأي الإِنسان، وفي هذا الحديث وَكَلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الأمْرَ إِلى رأيهنَّ.

وقد يقال: إِنَّه وَكَلَ الأمر إلى رأيهن في زيادة عدد الغسلات لا في أصل الغُسْل، لكنَّ الدَّليل الأول كافٍ في ذلك، بل إِنَّ تغسيلَ الأمواتِ أَمْرٌ معلوم بالضَّرورة، ومشهور شُهْرَة يكاد يكون متواتراً.

وسواء مات فجأة، أو بحادث، أم بمرضٍ، أم كان صغيراً، أم كبيراً.

وهل يشمل السَّقط؟

فيه تفصيل: إِن نُفِخت فيه الرُّوح غُسِّل، وكُفِّنَ، وصُلِّيَ عليه، وإِن لم تُنْفَخ فيه الرُّوح فلا.

وتُنْفَخُ الرُّوح فيه إِذا تَمَّ له أربعة أشْهُرٍ؛ لحديث عبد الله بن مسعود قال: حدَّثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو الصَّادق المصدوق: «إِنَّ أحدَكُم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّه، أربعين يوماً نُطْفَةً، ثم يكون عَلَقَةً مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يُرْسَل إِليه الملك، فيُؤمَرُ بأربع كلمات، بِكَتْبِ: رِزْقِهِ، وأَجَلِهِ، وعَمَلِه، وشقيٌّ أم سعيد، ثم يَنْفُخُ فيه الرُّوح»[(633)]، وهذا لا يعلمه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بدون وَحْي إِذ لا مَدْخل للاجتهاد فيه.

 

وحيضٌ، ونِفَاسٌ،.......

قوله: «وحيض» ، هو الموجِبُ الخامس من موجبات الغُسْل، فإِذا حاضت المرأة وَجَبَ عليها الغُسْلُ، وانقطاع الحيض شَرْطٌ، فلو اغتسلتْ قَبل أن تَطْهُرَ لم يصحَّ، إِذ مِنْ شرط صِحَّة الاغتسال الطَّهارة.

والدَّليل على وجوب الغُسْل من الحيض ما يلي:

1- حديث فاطمة بنت أبي حُبيش أنها كانت تُستحاض فأمَرها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن تجلس عادتها، ثم تغتسل وتُصلِّي[(634)]. والأصل في الأمر الوجوب.

ويشير إلى مُطْلَقِ الفعل قوله تعالى: {{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} ...} الآية [البقرة: 222] ، أي: اغْتَسَلْنَ، فهذا دليل على أن التَّطَهُّرَ من الحَيض أمرٌ مشهور بين الناس، والآية وَحْدَها لا تدلُّ على الوجوب؛ ولكن حديث فاطمة رضي الله عنها دليل واضِحٌ على أنه يجب على المرأة إذا حاضت أن تغتسل، لكنَّ شَرْطَ الوجوب انقطاعُ الدَّم.

قوله: «ونِفَاسٌ» ، هذا هو الموجِبُ السَّادس من موجبات الغُسْلِ.

والنِّفَاسُ: الدَّمُ الخارج مع الولادة أو بعدها، أو قَبْلها بيومين، أو ثلاثة، ومعه طَلْقٌ.

أما الدَّمُ الذي في وسط الحَمْلِ، أو في آخر الحَمْلِ ولكن بدون طَلْقٍ فليس بشيء، فتصلِّي وتصوم، ولا يَحْرُمُ عليها شيء مما يحرم على النُّفساء.

والدَّليل على وجوب الغُسْل منه: أنه نوع من الحيض، ولهذا أَطْلقَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم اسمَ النِّفاس على الحيض؛ بقوله لعائشة لمَّا حاضت: «لعلَّكِ نُفِسْتِ»[(635)].

وقد أجمعَ العلماء على وجوب الغُسْلِ بالنِّفَاسِ كالحيض.

 

لا وِلادةٌ عاريةٌ عَنْ دمٍ. ومَنْ لَزِمَه الغُسْلُ حَرُمَ عليه قِراءةُ القُرْآنِ ،..........

قوله: «لا وِلادةٌ عاريةٌ عن دَمٍ» ، لا: عاطفة، تدلُّ على النفي، أي: ليست الولادةُ العاريةُ عن الدَّمِ موجِبَةً للغُسْل، فلو أن امرأة ولَدت، ولم يخرج منها دم فلا غُسْل عليها، لأنَّ النِّفَاس هو الدَّمُ، ولا دَمَ هنا، وهذا نادر جدًّا.

وقال بعض العلماء: إِنه يجب الغُسْل، والولادة هي الموجِبَةُ[(636)].

ولأن عدم الدَّمِ مع الوِلادة نادر، والنَّادر لا حُكْمَ له.

ولأن المرأة سوف يَلْحَقُها من الجُهْدِ والمشقَّة والتَّعَب كما يَلْحَقُها في الوِلادة مع الدَّمِ.

قوله: «ومَنْ لَزِمَهُ الغُسْل حَرُمَ عليه قِراءة القُرْآنِ» ، مَنْ: اسم شَرْط جازِم، وفعل الشَّرط: لَزِمه، وجوابه: حَرُمَ، وأسماء الشَّرط تُفيد العموم؛ فيكون المعنى: أيُّ إِنسان لَزِمَهُ الغُسْل سواء كان ذكراً أم أنثى، ويلزَمُ الغُسْل بواحد من الموجِبات السِّتة السَّابقة.

فمن لَزِمَهُ الغُسْل حرم عليه: الصَّلاة، والطَّواف، ومَسُّ المصْحَفِ. لأن المؤلِّف سبق أن قال: «ويَحْرُمُ على المحدِثِ...»[(637)] إلخ.

ويَحْرُمُ عليه أيضاً: قراءة القرآن، واللبْثُ في المسجد، وهذان يختصَّان بمن لَزِمَهُ الغُسْل[(638)].

وقوله: «حَرُمَ عليه قِراءةُ القُرآنِ»، أي: حتى يغتسل، وإن توضَّأ ولم يغتسل، فالتَّحريم لا يزال باقياً.

وقوله: «قراءة القرآن» المراد أن يقرأ آية فصاعداً، سواء كان ذلك من المصْحَفِ، أم عن ظَهْرِ قَلْبٍ، لكن إِن كانت الآية طويلة فإِنَّ بعضها كالآية الكاملة.

وأطول آية في القرآن آية الدَّين: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} ...} الآية [البقرة: 282] ، ومع ذلك لم تستَوعِب حروف اللُّغة العربيَّة، واستوعب حروف اللُّغة العربيَّة آيتان أقصَرُ منها هما:

1- آخر آية في سُورة الفَتْح وهي قوله تعالى: {{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ...} [الفتح: 29]

2- الآية التي في آل عمران وهي قوله تعالى: {{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً}} الآية [آل عمران: 154]

وقوله: «قراءة القرآن»، أي: لا قراءة ذِكْرٍ يوافق القرآن، ولم يَقْصِد التِّلاوة؛ فإِنَّه لا بأس به كما لو قال: بسم الله الرحمن الرحيم، أو الحمد لله رب العالمين؛ ولم يقصد التِّلاوة.

والدَّليل على أنَّ الجُنُب ممنوع من القرآن ما يلي:

1- حديث عليٍّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُعَلِّمُهم القرآن، وكان لا يَحْجُزه عن القرآن إلا الجَنَابَة»[(639)].

2- ولأنَّ في مَنْعِهِ من قراءة القرآن حثًّا على المبادرة إِلى الاغتسال، لأنَّه إِذا عَلِمَ أنَّه ممنوع من قراءة القرآن حتى يَغْتسل فسوف يُبادِرُ إلى الاغتسال، فيكون في ذلك مصلحة.

3- أنَّه رُوِيَ أنَّ المَلَكَ يتلقَّف القرآن من فَمِ القارئ[(640)]، وأنَّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جُنُب[(641)]. وعلى هذا إِذا قرأ القرآن فإِمَّا أن يَحْرُمَ الملَك من تلقُّفِ القُرآن، أو يؤذيه بِجَنَابَتِه، وهذا وإِنْ كان فيه شيء من الضَّعف لكن يُعلَّل به.

وأما بالنِّسبة للحائض: فإِنَّها مِمَّنْ يلزمه الغُسْل، وعلى هذا فجُمهور أهل العِلْمِ أنَّه لا يجوز لها أنْ تقرأَ القرآن؛ لكنْ لها أن تذكُرَ الله بما يوافق القرآن[(642)].

وقال شيخُ الإسلام رحمه الله: إِنه ليس في مَنْعِ الحائض من قراءة القرآن نُصوص صريحة صحيحة[(643)]، وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:

1- أنّ الأصْلَ الحِلُّ حتى يقوم دليلٌ على المَنْعِ.

2- أنَّ الله أمر بتلاوة القرآن مُطْلَقاً، وقد أثنى الله على من يتلو كتابه، فَمَنْ أخرجَ شخصاً من عِبَادة الله بقراءة القرآن فإِنَّنا نُطالبه بالدَّليل، وإِذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنْعِ، فإِنَّها مأمورة بالقراءة.

فإن قيل: ألا يُمكِن أن تُقَاسَ على الجُنُبِ بجامع لُزُوم الغُسْلِ لكلٍّ منهما بسبب الخارج؟

أُجِيب: أنَّه قياس مع الفارق؛ لأنَّ الجُنُبَ باختياره أن يُزيل هذا المانع بالاغتسال، وأمّا الحائضُ فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع. وأيضاً: فإِن الحائض مُدَّتها تطول غالباً، والجُنُب مدَّته لا تطول؛ لأنه سوف تأتيه الصَّلاة، ويُلْزم بالاغتسال.

والنُّفساء من باب أَوْلى أنْ يُرخَّص لها، لأنَّ مُدَّتها أطول من مُدَّة الحائض. وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله مَذْهبٌ قويٌّ.

ولو قال قائل: ما دام العلماء مختلفين، وفي المسألة أحاديث ضعيفة[(644)]، فلماذا لا نجعل المسألة معلَّقة بالحاجة، فإِذا احتاجتْ إلى القِراءة كالأَوْراد، أو تَعاهُد ما حَفِظَتْهُ حتى لا تنسى، أو تحتاج إِلى تعليم أولادها؛ أو البنات في المدارس فيُباح لها ذلك، وأما مع عدم الحاجة فتأخذ بالأَحْوَطِ، وهي لن تُحْرَم بقيَّة الذِّكْرِ. فلو ذهب ذاهب إِلى هذا لكان مذهباً قويًّا.

أما إسلام الكافر: فالكافر ممن يَلْزَمُه الغُسْل، فلو أَسْلَمَ وأراد القراءة مُنِعَ حتى يَغتسل.

والدَّليل على ذلك: القياس على الجُنُبِ.

وهذا فيه نَظَرٌ قويٌ جدًّا؛ لأن العلماء أجمعوا على وجوب الغُسْل على الجُنُبِ بخلاف الكافر فهو مختلَف في وجوبه عليه كما سبق[(645)]، ولا يُقاس المُختلَفُ فيه على المتَّفَقِ عليه.

فإن قيل: نحن نَقِيسُ بناءً على من يقول بوجوب الغُسْلِ على الكافر، أمَّا من يقول بعدم الوجوب فالأمر ظاهر في عدم مَنْعِهِ من قراءة القرآن؟.

فالجواب: أنه حتى على قول من يقول بوجوب الغُسْل عليه، فإِنه لا يرى أنَّ وجوبه مُتَحَتِّم كتَحَتُّمِ الغُسْل من الجَنَابة، بل يرى أنه أضعف. وعليه فَمَنْعُ الكافر من قراءة القرآن حتى يغتسل ضعيف؛ لأنَّه ليس فيه أحاديث، لا صحيحة ولا ضعيفة، وليس فيه إِلا هذا القياس.

 

ويَعْبُرُ المسجدَ لحاجةٍ،.........

قوله: «ويَعْبُرُ المسجد لحاجة» ، أي: يَمرُّ به عند الحاجة، وهذا يفيد مَنْعَه من المُكْثِ في المسجد، ولذلك لو قال: ويَحْرُم عليه المُكْثُ في المسجد، ثم استثنى العُبور كان أوضح.

أي: يَحْرُم على من لَزِمَهُ الغُسْل اللُّبْثُ في المسجد، أي: الإقامة فيه ولو مدَّة قصيرة. والدَّليل على ذلك:

1 ـ قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}} [النساء: 43] ، يعني: ولا تقربوها جُنُباً إِلا عابري سبيل.

وليس المعنى لا تُصَلُّوا إِلا عابري سبيل، لأن عابر السَّبيل لا يُصلِّي، فيكون النَّهْيُ عن قُربان الصَّلاة، أي: النَّهْيُ عن المرور بأماكنها، وهي المساجد، فإِن عَبَر المسجد فلا بأس به، وأمَّا أن يَمْكُثَ فيه فلا.

2 ـ أن المساجد بيوت الله عزّ وجل ومحل ذِكْرِه، وعبادته، ومأوَى ملائكته، وإِذا كان آكل البصل والأشياء المكروهة ممنوعاً من البقاء في المسجد، فالجُنُبُ الذي تَحْرُمُ عليه الصَّلاة من باب أوْلَى، ولا سيَّما إِذا كانت الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جُنُب، فإِنَّها تتأذَّى بمَنْعِهَا من دخول هذا المسجد.

وقوله: «لحاجة». والحاجة متنوِّعة، فقد يريد الدُّخول من باب، والخروج من آخر حتى لا يُشاهَد، وقد يفعل ذلك لكونه أخْصَرَ لطريقه، وقد يَعْبُره لينظر هل فيه محتاج فيؤويه أو يتصدَّق عليه، أو هل فيه حَلَقَةُ عِلْمٍ فيغتسل ثم يرجع إليها.

وأفادنا رحمه الله بقوله: «لحاجة» أنه لا يجوز له أن يَعْبُرَ لغير حاجة.

وظاهر الآية الكريمة: {{إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}} العموم؛ فَيَعْبُره لحاجة، أو غيرها، وهو المذهب[(646)] إلا أن الإِمام أحمد رحمه الله كَرِه أن يُتَّخَذ المسجد طريقاً إلا لحاجة، وهذا له وجه لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ذَكَرَ أنَّ هذه المساجد بُنِيَتْ للذِّكر، والصَّلاة، والقراءة[(647)] فاتخاذها طريقاً خِلافُ ما بُنِيَتْ له إِلا إِذا كانت حاجة.

 

وَلاَ يَلْبثُ فيه بِغَيْر وُضُوءٍ،..........

قوله: «ولا يَلْبَثُ فيهِ بغَيْر وُضُوء» ، فإِن توضَّأ جاز المُكْثُ، والدَّليل على ذلك:

1 ـ أن الصَّحابة رضي الله عنهم كانوا إِذا تَوضَّؤوا من الجنابة مكثوا في المسجد، فكان الواحد منهم ينام في المسجد؛ فإذا احْتَلَمَ ذهب فتوضَّأ ثم عاد[(648)]، وهذا دليل على أنه جائز، لأن ما فُعِلَ في عَهْدِهِ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُنكره، فهو جائز إِن كان من الأفعال غير التَّعَبُّديَّة، وإن كان من الأفعال التَّعَبُّديَّة فهو دليل على أن الإِنسان يُؤْجَر عليه.

2 ـ أن الوُضُوء يُخَفِّفُ الجَنَابَة؛ بدليل أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن الرَّجل يكون عليه الغُسْل؛ أينامُ وهو جُنُب؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا توضَّأ أحدُكُم فَلْيَرْقُدْ وهو جُنُبٌ»[(649)].

3 ـ ولأنَّ الوُضُوء أحد الطَّهورَين، ولولا الجنابة لكان رافعاً للحَدَثِ رَفْعاً كُلِّيًّا فحيئذٍ يكون مخفِّفاً للجنابة.

 

ومَنْ غَسَّلَ مَيْتاً،...........

قوله: «ومَنْ غَسَّلَ ميتاً» ، هذا شروع في بيان الأَغْسال المسْتَحَبَّة فمنها: الاغتسال من تغسيل الميتِ، فإِذا غَسَّل الإِنسان ميتاً، سُنَّ له الغُسْل، والدَّليل على ذلك ما يلي:

1 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ غَسَّل ميتاً فَلْيَغْتَسِلْ، ومَنْ حَمَلَهُ فليتوضَّأ»[(650)].

قالوا: وهذا الحديث فيه الأَمْرُ، والأَمْرُ الأصل فيه الوُجوب، لكن لمَّا كان فيه شيء من الضَّعف لم يَنتهضْ للإِلزام به. وهذا مبنيٌّ على قاعدة وهي: أنَّ النَّهْيَ إِذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتَّحريم، والأمرُ إِذا كان في حديث ضعيف لا يكون للوُجوب، لأنَّ الإِلزام بالمنْعِ أو الفعل يحتاج إلى دليل تَبرأُ به الذِّمة لإِلزام العباد به.

وهذه القاعدة أشار إليها ابنُ مفلح في «النُّكَت على المحرَّر» في باب موقف الإِمام والمأموم[(651)]؛ ومراده ما لم يكن الضَّعف شديداً بل محتَمِلاً للصِّحَّة، فيكون فِعْلُ المأمور وتَرْكُ المنهيّ من باب الاحتياط، والاحتياط لا يوجب الفعل أو الترك.

2 ـ أنه ورد عن أبي هريرة أَنه أَمَرَ غاسل الميْت بالغُسْلِ[(652)].

وهذا القول الذي مشى عليه المؤلِّف هو القول الوسط والأقرب.

وقال بعض أهل العِلْم: إنه يجب أن يَغْتَسِلَ[(653)]. واستدلُّوا بحديث أبي هريرة السابق، والأصل في الأَمْرِ الوُجُوب.

وقال آخرون: لا يجب عليه أن يَغْتَسِل، ولا يُسَنُّ له (653) .

واستدلُّوا على ذلك بما يلي:

1- ضَعْف حديث أبي هريرة، فقد قال الإمام أحمد: «لا يَثْبُتُ في هذا الباب شيء»، وإذا لم يَثْبُتْ فدعوى المشروعيَّة تحتاج إِلى دليل؛ ولا دليل.

2- أنَّ المؤمِن طاهر حيًّا وميْتاً، فإِذا كان لا يُسَنُّ الغُسْلُ من تَغْسيل الحيِّ، فتغسيل الميتِ من باب أولى.

فإن قيل: أكثَرُ الذين كانوا يغسِلون الموتى في زمن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم كما في حديث الذي وَقَصَتْهُ ناقته، وحديث أم عطيَّة ومَنْ معها من النِّساء اللاتي غسَّلن ابنته، لم يأمرهم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالاغتسال[(654)].

فالجواب على ذلك:

1 ـ أن عدم الأمر في القضيَّة المعيَّنة لا يلزمُ منه نفيُ الأَمْرِ الوارد من طريق آخر إِذا صَحَّ.

2 ـ أنَّنا لا نقول بوجوب هذا الغُسْلِ، فَعَدَمُ الأمر في موضعه يدلُّ على عَدَمِ الوُجوب، لكن لا يدلُّ على نفي المشروعيَّة مطلقاً إِذا جاء مِنْ طريق آخر صحيح.

 

أوْ أفاقَ من جُنُونٍ، إو إِغماءٍ .......

قوله: «أو أفاقَ مِنْ جُنُونٍ، أو إِغماءٍ» ، هذا هو الثَّاني والثَّالث من الأغْسال المستحبَّة.

والجنون: زوال العقل، ومنه الصَّرَعُ فإِنَّه نوع من الجُنُون.

والإغماء: التَّغطية، ومنه الغَيْم الذي يُغطِّي السَّماء.

فالإِغماء: تغطية العقل، وليس زواله، وله أسباب متعدِّدة منها: شِدَّة المَرضِ كما حَصَلَ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإِنه في مَرَضِه أُغْمِيَ عليه ثم أفاق، فقال: أَصَلَّى الناسُ؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك، فأَمَرَ بماء في مِخْضَبٍ ـ وهو شبيه بالصَّحن ـ فاغتَسَلَ؛ فقام لِيَنُوءَ فأُغْمِيَ عليه مرَّة ثانية، فلما أفاق قال: أصلَّى الناسُ؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك»[(655)]، الحديث.

فهذا دليل على أنَّهُ يُغتسل للإِغماء، وليس على سبيل الوجوب، لأن فِعْلَهُ صلّى الله عليه وسلّم المجرَّد لا يدُلُّ على الوُجوب.

وهل هذا مشروع تعبُّداً، أو مشروع لتقوية البَدَنِ؟

يحتمل كلا الأمرين، والفقهاء رحمهم الله قالوا: إِنه على سبيل التعبُّد، ولهذا قالوا: يُسَنُّ أن يَغْتَسِلَ. وأمَّا بالنِّسبة للجنون، فإِنهم قاسوه على الإِغماء، قالوا: فإِذا شُرِعَ للإِغماء، فالجنون من باب أَوْلَى، لأنه أَشَدُّ[(656)].

 

بلا حُلْمٍ سُنَّ له الغُسْلُ، والغُسْلُ الكاملُ: أَنْ يَنْوي.........

قوله: «بلا حُلْمٍ سُنَّ له الغُسْلُ» ، أي: بلا إِنزال، فإِن أنزلَ حال الإِغماء وَجَبَ عليه الغُسْل كالنَّائم إذا احتلم.

قوله: «والغُسْلُ الكاملُ...» ، الغُسْل له صفتان:

الأولى: صفة إجزاء.

الثانية: صفة كمال.

كما أنَّ للوُضُوء صفتين، صفة إجزاء، وصفة كمال، وكذلك الصَّلاةُ والحجُّ.

والضَّابط: أن ما اشتَمَل على الواجب فقط فهو صفة إِجزاء، وما اشتمل على الواجب والمسْنُون، فهو صفة كمال.

قوله: «أن ينويَ» ، «أن» وما دخلتْ عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ. والنِّيَّة لغةً: القصد.

وفي الاصطلاح: عَزْمُ القلب على فعل الشَّيء عَزْماً جازماً، سواء كان عبادة، أم معاملة، أم عادة.

ومحلُّها القلب، ولا تعلُّق لها باللِّسان، ولا يُشْرَع له أن يتكلَّم بما نَوَى عند فِعْلِ العبادة.

فإن قيل: لماذا لا يُقال: يُشْرَع أن يتكلَّم بما نَوَى لِيُوافق القلبُ اللسانَ، وذلك عند فِعْلِ العبادة؟

فالجواب: أنه خِلاف السُّنَّةِ.

فإن قيل: إنه صلّى الله عليه وسلّم لم يَنْهَ عنه؟

فالجواب:

1- أنَّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ»[(657)].

2- أنَّ كلَّ شيء وُجِدَ سببُه في عهد النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يفعله، كان ذلك دليلاً على أنه ليس بِسُنَّةٍ، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينوي العبادات عند إرادة فِعْل العبادة، ولم يكن يتكلَّم بما نَوى، فيكون تَرْكُ الشَّيء عند وجود سببه هو السُّنَّة، وفِعْلُه خِلاف السُّنَّة.

ولهذا لا يُسَنُّ النُّطْق بها لا سِرًّا ولا جهراً؛ خلافاً لقول بعض العلماء: إِنه يُسَنُّ النُّطْق بها سِرًّا[(658)].

ولقول بعضهم: إِنه يُسَنُّ النُّطْق بها جهراً (658) ، وكِلا القولين لا أصْلَ له، والدَّليل على خِلافه.

والنَّيةُ شَرْط في صِحَّة جميع العبادات لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإِنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»[(659)].

والنِّيَّة نيَّتان:

الأولى: نِيَّة العمل، ويتكلَّم عليها الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أنها هي المصحِّحة للعمل.

الثانية: نِيَّة المعمول له، وهذه يتكلَّم عليها أهل التَّوحيد، وأرباب السُّلوك لأنها تتعلَّق بالإخلاص.

مثاله: عند إرادة الإِنسان الغسل ينوي الغُسْل، فهذه نيَّة العمل.

لكن إِذا نَوى الغُسْل تقرُّباً إلى الله تعالى، وطاعة له، فهذه نيَّة المعمول له، أي: قصَد وجهه سبحانه وتعالى، وهذه الأخيرة هي التي نغفل عنها كثيراً فلا نستحضر نيَّة التقرب، فالغالب أنَّنا نفعل العبادة على أننا ملزَمون بها، فننويها لتصحيح العمل، وهذا نَقْصٌ، ولهذا يقول الله تعالى عند ذِكْرِ العمل: {{ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}} [الرعد: 22] و{{إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى *}} [الليل]، {{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}} [الرعد: 22] ، و{{يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}} [الحشر: 8] .

 

ثُمَّ يُسَمِّيَ، ويَغْسِلَ يَديه ثلاثاً، ..........

قوله: «ثُمَّ يُسَمِّيَ» ، أي: بعد النِّيَّة، والتسميَة على المذهب واجبة كالوُضُوء وليس فيها نَصٌّ، ولكنَّهم قالوا: وَجَبَتْ في الوُضُوء فالغُسْلُ من باب أولى، لأنَّه طهارة أكبر.

والصَّحيح كما سبق[(660)] أنها ليست بواجبة لا في الوُضُوء، ولا في الغُسْل.

قوله: «ويغسل يديه ثلاثاً» ، هذا سُنَّة، واليدان: الكفَّان، لأنَّ اليَدَ إِذا أُطْلقتْ فهي الكَفُّ، والدَّليل قوله تعالى: {{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا}} [المائدة: 38] ، والذي يُقْطَع هو الكَفُّ فقط.

ولما أراد ما فوق الكفِّ قال تعالى: {{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] .

 

وما لَوَّثَه، ويَتَوَضَّأ، ويَحْثِيَ على رأسِهِ ثلاثاً تُروِّيه، ......

قوله: «وما لَوَّثَه» ، أي: يغسل ما لَوَّثَه من أَثَرِ الجنابة، وفي حديث ميمونة رضي الله عنها أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم عند غَسْلِهِ ما لوَّثه ضَرَبَ بيَده الأرض، أو الحائط مرَّتين، أو ثلاثاً[(661)].

والذي يَظْهَر لي من حديث ميمونة أن الماء كان قليلاً. ولذلك احتاج صلّى الله عليه وسلّم أن يضربَ الحائط بيده مرَّتين، أو ثلاثاً، ليكون أسرع في إزالة ما لوَّثه، وَغَسَلَ رجليه في مكان آخر.

قوله: «ويتوضَّأ» ، أي: يتوضَّأ وُضُوءه للصَّلاة.

وكلام المؤلِّف يدلُّ على أنَّه يتوضَّأ وضُوءاً كاملاً، وهو كذلك في حديث عائشة[(662)] رضي الله عنها.

قوله: «ويحثي على رأسه ثلاثاً» ، ظاهره أنه يحثي الماء على جميع الرَّأس ثلاثاً.

قوله: «تُروِّيه» ، أي: تصل إِلى أُصُوله بحيث لا يكون الماء قليلاً.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «ثم يخلِّل بيده شَعْره حتى إذا ظَنَّ أنه قد أروى بَشَرَتَهُ أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسَل سائر جَسَده»[(663)]. وظاهره أن يصب عليه الماء أولاً ويخلِّله، ثم يفيض عليه بَعْدَ ذلك ثلاث مرات.

وقال بعض العلماء: إِن قولها: «ثلاث مرَّات» لا يَعُمُّ جميع الرَّأس، بل مَرَّة للجَّانب الأيمن، ومرَّة للأيسر، ومرَّة للوَسَطِ[(664)]، كما يدلُّ على ذلك صنيعه حينما أتى بشيء نحو الحِلاَب[(665)] فأخذ منه فغسل به جانب الرَّأس الأيمن، ثم الأيسر، ثم وسط الرَّأس[(666)].

 

ويَعُمَّ بدنَه غُسْلاً ثلاثاً،........

قوله: «ويَعُمَّ بدنَه غسلاً» ، بدليل حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما: «ثم أفاض الماء على سائر جسده»[(667)].

قوله: «ثلاثاً» ، وهذا بالقياس على الوُضُوء لأنه يُشْرَع فيه التَّثليث، وهذا هو المشهور من المذْهَب.

واختار شيخ الإِسلام وجماعة من العلماء، أنه لا تثليث في غَسْلِ البَدَنِ[(668)] لعدم صحَّته عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فلا يُشْرَع.

 

وَيَدْلُكَهُ، ويَتَيَامن، ويغسل قَدَمَيْه مَكَاناً آخَر. والمجزئُ:.......

قوله: «ويَدْلُكَه» ، أي: يمرُّ يده عليه، وشُرع الدَّلك ليتيقَّن وصول الماء إلى جميع البَدَنِ، لأنَّه لو صَبَّ بلا دَلْكٍ ربَّما يتفرَّق في البدن من أجل ما فيه من الدُّهون، فَسُنَّ الدَّلك.

قوله: «ويَتَيَامن» ، أي: يبدأ بالجانب الأيمن لحديث عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يُعْجِبُه التَّيمُّن في ترجُّله وتنعُّله، وطُهُوره، وفي شأنه كلِّه»[(669)].

قوله: «ويغسل قَدَميْه مكاناً آخر» ، أي: عندما ينتهي من الغسْل يغسل قَدَميْه في مكان آخر غير المكان الأول.

وظاهر كلام المؤلِّف أنه سُنَّة مطْلَقاً، ولو كان المحلُّ نظيفاً كما في حمَّاماتنا الآن.

والظَّاهر لي أنه يَغْسل قَدَمَيْه في مكان آخر عند الحاجة كما لو كانت الأرض طِيناً، لأنَّه لو لم يغسلهما لتلوَّثت رِجْلاه بالطِّين.

ويدلُّ لهذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ في حديث عائشة بعد الغُسْلِ[(670)]. ورواية: «أنه غسل رجليه»[(671)] ضعيفة. والصَّواب: أنه غَسَلَ رِجْلَيْه في حديث ميمونة فقط.

قوله: «والمجزئ» ، أي: الذي تبرأُ به الذِّمَّة.

والإِجزاء: سُقوط الطَّلب بالفِعل، فإذا قيل: أَجْزأتْ صلاته، أي: سقطتْ مطالبته بها لِفِعْله إِيّاها، وكذلك يقال في بقيَّة العبادات.

فلو أنَّ أحداً صلَّى وهو مُحدِث ناسياً، ثم ذَكَرَ بعد الصَّلاة، فإِنَّ صلاته لا تجزِئه لأنه مطالب بها، وفِعْله لم يسقط به الطَّلب.

 

أن يَنْوِيَ، ويُسَمِّيَ، ويَعُمَّ بَدَنَهُ بالغُسْلِ مَرَّةً ...........

قوله: «أن ينويَ ويُسمِّيَ» ، سبق الكلام على النِّيَّة[(672)] والتَّسمية[(673)].

قوله: «ويعمَّ بدنه بالغُسْل مرَّةً» ، لم يذكر المضمضة والاستنشاق، لأن في وُجوبهما في الغسل خِلافاً، فَمِنْ أهل العِلْم من قال: لا يَصحُّ الغُسْل إِلا بهما كالوُضُوء[(674)].

وقيل: يصحُّ بدونهما[(675)].

والصَّواب: القول الأوّل؛ لقوله تعالى: {{فَاطَّهَّرُوا}} [المائدة: 6] وهذا يَشْمُل البَدَنَ كُلَّه، وداخل الأنْفِ والفَمِ من البَدَنِ الذي يجب تطهيره، ولهذا أَمَرَ النبي صلّى الله عليه وسلّم بهما في الوُضُوء لِدُخولهما تحت قوله تعالى: {{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] ، فإذا كانا داخلَين في غَسْل الوَجْه، وهو ممَّا يجب تطهيره في الوُضُوء، كانا داخلَين فيه في الغُسْل لأن الطَّهارة فيه أَوْكَدُ.

وقوله: «ويَعُمَّ بَدَنَهُ». يشمل حتى ما تحت الشَّعر الكثيف، فيجب غَسْل ما تحته بخِلافِ الوُضُوء، فلا يجب غَسْل ما تحته.

والشَّعر الكثيف: هو الذي لا تُرى مِنْ ورائه البَشَرة.

قال أهلُ العِلْمِ: والشَّعر بالنسبة لتطهيره وما تحته ينقسم إلى ثلاثة أقسام[(676)]:

الأول: ما يجب تطهير ظاهره وباطنه بكلِّ حال، وهذا في الغُسْل الواجب.

الثاني: ما يجب تطهير ظاهره وباطنه إِنْ كان خفيفاً، وتطهير ظاهره إِن كان كثيفاً، وهذا في الوُضُوء.

الثالث: ما لا يجب تطهير باطنه سواء كان كثيفاً، أم خفيفاً، وهذا في التَّيَمُّم.

والدَّليل على أنَّ هذا الغُسْل مجزئ: قوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}} [المائدة: 6] ، ولم يَذْكُر الله شيئاً سوى ذلك، ومن عَمَّ بَدَنَه بالغُسْل مَرَّة واحدة صَدَقَ عليه أنَّه قد اطَّهَّرَ.

فإن قيل: هذه الآية مُجْملة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم فَصَّلَ هذا الإِجمال بفِعْله فيكون واجباً على الكيفيَّة التي كان يفعلها، كما أنَّ الله لمَّا قال: {{وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ}} [المزمل: 20] ، فَسَّر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هذه الإِقامة بفِعْلِه، فصار واجباً علينا إقامة الصَّلاة كما فعلها الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم.

فالجواب في وجهين:

الأول: أنَّه لو كان الله يريد منَّا أن نغتسل على وَجْه التَّفصيل لَبيَّنه كما بَيَّن الوُضُوء على وَجْهِ التَّفصيل، فلما أَجْمَلَ الغُسْل وفصَّل في الوُضُوء عُلِمَ أنَّه ليس بواجب علينا أن نغتسل على صفة معيَّنة.

الثاني: حديث عِمران بن حصين رضي الله عنه الطويل، وفيه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال للرَّجُل الذي كان جُنباً ولم يُصلِّ: «خُذْ هذا وأَفرِغْه عليك»[(677)]، ولم يُبيِّن له النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم كيف يُفرغه على نفْسِه، ولو كان الغُسْل واجباً كما اغتسل النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لبَيَّنه له؛ لأنَّ تأخير البَيَان عن وقت الحاجة في مقام البلاغ لا يجوز.

فإن قيل: لعلَّ هذا الرَّجُل يعرف كيفيَّة الغُسل.

أُجيب بجوابَين:

الأول: أنَّ الأصْلَ عدم معرفته.

الثاني: أنَّ ظاهر حاله أنه جاهلٌ، بدليلِ أنَّه لم يَعْلَمْ أنَّ التَّيمُّم يُجزئ عن الغُسل عند عدم الماء.

والحاصل: أن الغُسْلَ المجزئ أن ينويَ، ثم يسمِّيَ، ثم يعمَّ بدَنَه بالغُسل مرَّة واحدة مع المضمضة والاستنشاق[(678)].

ولو أن رَجُلاً عليه جنابة، فنوى الغُسْل، ثم انغمس في بِرْكة ـ مثلاً ـ ثم خرج، فهذا الغُسْل مجزئ بِشَرط أنْ يتمضمض ويستنشق.

ولو أنَّه أراد الوُضُوء بعد أن انغمس فلا يجزئ إِلا إِن خَرَج مرتِّباً، لأن التَّرتيب فرْضٌ على المذهب[(679)].

وظاهرُ كلام المؤلِّف رحمه الله أنَّ الموالاة ليست شرطاً في الغُسل، فلو غسل بعض بدنه ثم أتمَّهُ بعد زمن طويل عُرفاً صَحَّ غُسله، وهذا هو المذهب.

وقيل: إِن الموالاة شرطٌ، وهو رواية عن الإِمام أحمد، وقيل: وجه للأصحاب[(680)].

وهذا ـ أعني كون الموالاة شرطاً ـ أصَحُّ، لأن الغُسل عبادة واحدة، فلزم أن ينبني بعضُه على بعض بالموالاة، لكن لو فرَّقه لعُذْرٍ، لانقضاء الماء في أثناء الغسل مثلاً؛ ثم حصَّله بعد ذلك لم تلزمه إِعادة ما غسَّله أولاً؛ بل يُكمل الباقي.

 

وَيَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ، وَيَغْتَسِلُ بِصَاعٍ ،..........

قوله: «ويتوضَّأُ بمُدٍّ ويَغْتَسِلُ بِصَاعٍ» ، يتوضَّأُ: بالرَّفع؛ لأنَّها جملة استئنافية، وليست معطوفة على قوله: «أن ينوي»، لأنها لو كانت معطوفة على قوله: «أن ينوي» لصار المعنى: والمجزئ أن ينوي، وأن يتوضَّأ بمُدٍّ، وليس كذلك، بل المعنى يُسَنُّ أنْ يكون الوُضُوء بِمُدٍّ، والغُسْلُ بصَاعٍ.

والمُدُّ: رُبْعُ الصَّاع[(681)].

والصَّاع النبويُّ: أقلُّ من الصَّاع العُرْفِي عندنا بالخُمْس وخُمْس الخُمْس، فالصَّاع النبويُّ ـ مثلاً ـ زِنته ثمانون ريالاً فرنسياً، وصاعنا العُرْفي مائة ريال، وأربع ريالات.

فيأخذ إِناء يَسَعُ أربعة أخماس الصَّاع العُرْفِي، ويغتسل به، هذه هي السُّنَّة، لِئَلا يُسرِف في الماء، فإِن أسبغ بأقلَّ جاز.

فإن قيل: نحن الآن نتوضَّأ مِن الصَّنابير فمقياس الماء لا ينضبط؟

فيقال: لا تَزِدْ على المشروع في غَسْل الأعضاء في الوُضوء، فلا تَزِدْ على ثلاث، ولا تزد في الغُسْل على مرَّة، على القول بِعَدَم الثلاث، وبهذا يحصُل الاعتدال.

 

فإِن أَسْبَغَ بأَقَلَّ، أو نوى بغُسْلِه الحَدَثيْن أَجْزَأَ،............

قوله: «فإن أسْبَغ بأقلَّ» ، أي: إِن أسْبَغَ بأقلَّ مِنَ المدِّ في الوُضُوء، ومِن الصَّاع في الغُسْل أَجْزأَ؛ لأنَّ التَّقدير بالمدِّ والصَّاع على سبيل الأفضليَّة.

لكنْ يُشترط ألا يكون مَسْحاً، فإِن كان مَسْحاً فلا يُجزئ.

والفرق بين الغُسْل والمسح: أن الغُسْل يتقاطر منه الماء ويجري، والمسح لا يتقاطر منه الماء، والدَّليل على ذلك:

1- قوله تعالى: {{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] ، ثم قال: {{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}} [المائدة: 6] ، ففرَّق سبحانه وتعالى بين المسْح، والغُسْل.

2- قوله تعالى: {{فَاطَّهَّرُوا}} [المائدة: 6] ، بيَّنه صلّى الله عليه وسلّم بالغسْل، لا بالمسْح.

قوله: «أو نوى بغُسْلِه الحَدَثَيْن أَجْزَأ» ، النيَّة لها أربع حالات:

الأولى: أن ينوي رفع الحَدَثَيْن جميعاً فيرتفعان لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنِّيَّات»[(682)].

الثانية: أن ينويَ رفع الحَدَثِ الأكبر فقط. ويَسْكت عن الأصغر، فظاهر كلام المؤلِّف أنَّه يرتفع الأكبر، ولا يرتفع الأصغر لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّات»، وهذا لم ينوِ إِلاَّ الأكبر.

واختار شيخ الإسلام: أنه يرتفع الحَدَثَان جميعاً[(683)]، واستدلَّ بقوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}} [المائدة: 6] ، فإذا تطهَّر بنيَّة الحَدَثِ الأكبر فإِنَّه يُجزئه، لأنَّ الله لم يذكُر شيئاً سوى ذلك، وهذا هو الصَّحيح.

الثالثة: أن ينويَ استباحة ما لا يُباح إِلاَّ بالوُضُوء، أو ارتفاع الحَدَثَيْن جميعاً كالصَّلاة، فإِذا نوى الغُسْلَ للصلاة، ولم ينوِ رَفْع الحَدَثِ، ارتفع عنه الحَدَثَان، لأنَّ مِنْ لازم نيَّة الصَّلاة أن يرتفع الحَدَثَان، لأنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ إِلا بارتفاع الحَدَثَيْن.

الرابعة: أن ينوي استباحة ما يُباح بالغُسْل فقط، دون الوُضُوء كقراءة القرآن، أو المُكْثِ في المسجد.

فلو اغتسل لقراءة القرآن فقط، ولم يَنوِ رَفْعَ الحَدَثِ أو الحَدَثَيْن فيرتفع حَدَثُه الأكبر فقط، فإِن أراد الصَّلاة، أو مَسَّ المصحفِ، فلا بُدَّ من الوُضُوء.

ولكن واقع النَّاس اليوم، نجدُ أنَّ أكثرهم يغتسلون من الجَنَابة من أَجْلِ رَفْعِ الحَدَثَ الأكبر، أو الصَّلاة، وعلى هذا فيرتفع الحَدَثَان.

 

ويُسنُّ لجُنُبٍ غَسْلُ فَرْجِهِ، والوُضُوءُ لأكْلٍ، ونَوْمٍ، ومُعَاوَدةِ وَطْءٍ.

قوله: «ويُسنُّ لجُنُبٍ غَسْلُ فَرجِهِ، والوُضُوءُ لأكلٍ» ، وُضوء الجُنُبِ للأكل ليس بواجب بالإِجماع؛ لكنَّه مستَحَبٌّ والدَّليل على ذلك:

1- حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إِذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جُنُبٌ توضَّأ وضوءه للصَّلاة[(684)].

وأمَّا مَنْ حمل هذا على الوُضُوء اللغوي، وهو النَّظَافة، فلا عِبْرة به؛ لأن رواية مسلم صريحة في أنَّ المراد به الوُضُوء الشَّرعي.

ولأن القاعدة في أصول الفِقْه: أنَّ الحقائق تُحمَل على عُرْفِ النَّاطِقِ بها، فإِذا كان النَّاطِقُ الشَّرع حُمِلَت على الحقيقة الشَّرعيَّة، وإِذا كان من أهل اللُّغة حُمِلت على الحقيقة اللغويَّة، وإِذا كان من أهل العُرْف حُمِلَت على الحقيقة العُرفيَّة.

فمثلاً: «زَيْدٌ قائم» زَيْدٌ في اللغة فاعل؛ لأن الفاعل في اللغة من قام به الفعل، وعند النَّحويِّين مبتدأ؛ لأن الفاعل عندهم: الاسمُ المرفوع المذكور قَبْلَه عامِلُه.

2- حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رخَّص للجُنُب إِذا أراد أن يأكل، أو يشرب أو ينام أن يتوضَّأ[(685)].

قوله: «ونومٍ» ، أي: يُسْتَحَبُّ للجُنُب إِذا أراد النَّوم أن يتوضَّأ، واستُدلَّ لذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أَيَرْقُد أحدُنا وهو جُنُب؟ قال: «نعم، إِذا توضَّأ أحدُكم فلْيَرْقُد وهو جُنُب»[(686)]، وفي لفظ: «توضَّأ واغسلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ»[(687)].

وهذا الدَّليل يقتضي الوُجوب لأنَّه قال: «نعم إِذا توضَّأ». وتعليق المباح على شَرْط يدلُّ على أنَّه لا يُباح إِلا به، وعليه يكون وُضُوء الجُنُب عند النوم واجباً، وإلى هذا ذهب الظَّاهريَّة وجماعة كثيرة من أهل العِلْمِ[(688)]، ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمَّة المتبوعين أنَّ هذا على سبيل الاستحباب[(689)]، واستدلُّوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان ينامُ وهو جُنُبٌ من غير أن يمسَّ ماءً»[(690)].

قالوا: فَتَرْكُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للوُضُوء في هذه الحال بيان للجَواز، وأن الأمر ليس للوُجوب. وهذه قاعدة صحيحة معتَبَرة، خلافاً لمن قال: إِن فِعْلَه لا يُعارض قولَه، بل يؤخذ بالقول فلا يدلُّ فِعلُه على الجواز.

فائدة: هذه الطَّريقة يلجأ إِليها الشَّوكاني رحمه الله في «نَيْل الأوطار»[(691)]، وأنا أتعجَّب من سلوكه هذه الطَّريقة؛ لأنَّه مِنَ المعلوم أنَّنا لا نحمل فعْل الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم على الخُصوصيَّة إِلا حَيث تعذَّر الجَمْع، أما إِذا أمكن الجَمْع فإِنَّه لا يجوز حَمْلُ النَّصِّ على الخُصوصيَّة؛ لأن الأصل التَّأسِّي به صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}} [الأحزاب: 21] ، فإذا كان الأصل التَّأسِّي به فلا وجه لحمل النَّصِّ على الخصوصيَّة مع إِمكان الجمع إِلا بدليل.

ويدلُّ على أن فِعْله صلّى الله عليه وسلّم أو قوله لا يُحمَل على الخُصوصيَّة إِلا بدليل قول الله تعالى: {{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}} [الأحزاب: 50] ، ووجْه الدَّلالة من الآية: أنَّ الله تعالى بيَّن أنها خالصة للنَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولولا ذلك لكان مقتضَى النَّص أنه يجوز للإِنسان التزوُّج بالهِبَة.

ودليل آخر: أن الله تعالى قال في قصَّة زينب بنت جحش رضي الله عنها: {{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}} [الأحزاب: 37] ، وكانت زينب تحت زيدِ بن حارثة، وكان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قد تَبَنَّاهُ، فلما أحلَّ الله له زينب قال: {{لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}} [الأحزاب: 37] . فهذا الحُكْمُ خاصٌّ، وعِلَّته عامّة، وعلى هذا فالحكم الذي يَثْبُت للرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يَثْبت للأمَّة؛ وإِلا لم يكُنْ لقوله: {{لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}} فَائدةٌ.

وعُورض حديث عائشة: «كان ينام وهو جُنُب من غير أن يمسَّ ماءً» بأمرين:

الأول: أنَّه منقطع. ورُدَّ بأنه متَّصل، وأن أبا إسحاق سَمِع من الأسود الذي رواه عن عائشة، وإِذا تعارض الوَصْل والقَطْع، فالمعتَبَر الوصل.

الثاني: أنَّ قولها: «من غير أن يمسَّ ماءً»، أي: ماء للغُسْل. ورُدَّ بأن هذا بعيد؛ لأن «ماء» نكرة في سِيَاق النَّفْي فتعُمُّ أيَّ ماءٍ، وعليه فالتَّعليل بالانقطاع غيرُ صَحيح، وكذلك التَّأويل.

والذي يظهر لي: أن الجُنُبَ لا ينام إِلا بِوُضُوء على سبيل الاستحباب، لحديث عائشة رضي الله عنها، وكذا بالنِّسبة للأكْلِ والشُّرْب.

وفرَّق الفقهاء ـ رحمهم الله ـ بين الأكل والشُّرب والنَّوم، فقالوا: يُكْرهُ أن ينام على جنابة بلا وُضُوء، ولا يُكْرَه له الأكل، والشُّرب بلا وُضُوء[(692)].

قوله: «ومُعَاوَدَةِ وَطْءٍ» ، أي: يُسَنُّ للجُنُبِ أن يتوضَّأ إِذا أراد أن يُجَامع مرَّة أُخرى، والدَّليل على ذلك ما ثَبتَ في «صحيح مسلم» أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر مَنْ جَامَع أهلَه، ثم أراد أن يعود أن يتوضَّأ بينهما وُضُوءاً[(693)].

والأصل في الأَمْر الوُجُوب، لكن أخرج هذا الأَمر على الوُجُوب ما رواه الحاكم: «... إِنه أَنْشَطُ للعَوْدِ»[(694)].

فَدلَّ هذا أنَّ الوُضُوء ليس عبادة حتى نُلْزِم النَّاسَ به، ولكنْ من باب التَّنْشيط، فيكون الأَمْرُ هنا للإِرشاد، وليس للوجوب.

وكان صلّى الله عليه وسلّم يطوف على نسائِه بِغُسْلٍ واحد[(695)]، وإِن كان طوافه عليهن بغسل واحد، لا يَمْنَعُ أن يكون قد توضَّأ بين الفِعْلَين.

 

 

المصدر : موقع الشيخ ابن عثيمين

 

البحث عن:

 

 

الصفحة الرئيسية         -          من نحن         -          المنتدى         -          اتصل بنا        

Hit Counter

جميع الحقوق محفوظة لموقع أدبني ربي

www.2dbniraby.com